ما يحدث فى غزة، سرق الاهتمام من كل القضايا السياسية الأخرى العالمية والمحلية. لفترة طويلة، لم يكن هناك صوت يعلو فوق تداعيات الأخبار التى كانت قادمة من القطاع المنكوب.. والممارسات الإسرائيلية القمعية، والحرب الدموية التى دامت لشهور طويلة. حتى عندما توقفت آلة الحرب، وبدأت عمليات تبادل للأسرى والمحتجزين بين الطرفين، كنا جميعًا على موعد مع هموم جديدة متعلقة بمستقبل القضية الفلسطينية، حيث تريد إسرائيل تصفية القضية وتهجير شعبها، ويريد الرئيس الأمريكى المتطرف دونالد ترامب، الاستيلاء على قطاع غزة وتحويله لمنتجع سياحى فخم على البحر المتوسط.. مع التأكيد على عدم عودة السكان الفلسطينيين إليه مرة أخرى.
وفى حين ظهر قادة عرب فى قلب المشهد وهم عاجزون عن المواجهة، أو حتى التعبير بشكل مباشر عن رفض هذه السيناريوهات العبثية، سعت القيادة المصرية بقوة وثبات لإفساد الخطة، وكان فى ظهرها دبلوماسية واعية ورأى عام مستنير. بالفعل، تم العدول عن هذه الأفكار. أتمنى أن يكون الموقف الجديد دائمًا وليس مؤقتًا.
والمهم فى فكرتى الأساسية هنا، التى ابتعدت عنها بعض الشىء، أن كل هذه التطورات قد سرقت الاهتمام منّا كإعلاميين، من القضايا الأخرى.. بما فيها الانتخابات البرلمانية المقبلة.
شهدنا ميلاد حزب جديد، وهو حزب الجبهة الوطنية، ليضاف إلى ٨٧ حزبًا تم إشهارها فى ظروف سياسية واجتماعية مختلفة. لكن كل الدلائل تؤكد أنه حزب مختلف، تأسس ليكون الأقوى ضمن تحالف سياسى موسع، وسيسعى للتنسيق مع مجموعة كبيرة من الأحزاب بغرض الحصول على الأغلبية فى البرلمان بمجلسيه، الشيوخ والنواب.
وعندى تعليقات محدودة على هذا المشهد الانتخابى، وقد أجّلتها لعدة أسابيع، والمهم هنا أننى أختلف مع كثيرين يعتقدون أن هناك حشدًا سياسيًا رسميًا، ومن مجموعة من المؤثرين اقتصاديًا واجتماعيًا، وراء تحالف بعينه، وأن هذا لا يتفق مع العدالة والنزاهة السياسية والانتخابية.
ما يهمنى أكثر فى هذا المجال هو حُسن اختيار الكوادر الانتخابية فى الدوائر. لا يزال المواطنون فى مصر يلجأون لنوابهم بشكل مباشر، أيًا كانت انتماءاتهم الحزبية، للبحث لديهم عن المساعدة فى الحصول على خدمة فى التعليم والصحة والإدارة المحلية.. وغيرها من المصالح الحكومية، أو حتى للمساعدة فى التوظيف بمكان مناسب. وظيفة النواب لدينا ذات طبيعة خاصة ومختلفة عن باقى الدول.. ولن تتغير، وذلك لعوامل مجتمعية واقتصادية مهمة. والأهم أن الجهاز، البيروقراطى فى مصر لا يزال على عهده.. وغير قابل للتغيير.
وبالتالى فإن الاختيار الصحيح يبدأ بضمان وصول أشخاص مؤهلين لهذه الوظيفة المُركبة والمهمة. طبيعة الشخص واستعداده لخدمة الجماهير، فى نظرى، يسبقان الانتماء للأحزاب نفسها. وأنا لم أرصد تميزًا حقيقيًا للأحزاب الجديدة عن بقية القديمة والموجودة بالفعل منذ سنوات، ولكن الذى لفت نظرى أن ميلاد «الجبهة الوطنية» والدعاية المصاحبة له ولمؤسسيه وداعميه، قد خلق حالة من النشاط فى بقية الأحزاب بما فيها تلك القريبة من السلطة. كانت هناك حالة ملحوظة من الكسل، وكأن هناك قناعة بأن الأغلبية مضمونة وكذلك الشعبية، طالما لا يوجد منافسون أقوياء على الساحة.
رصدت فى الأسبوعين الأخيرين، انعقاد مؤتمرات وندوات حزبية فى القاهرة وخارجها، تناقش قضايا سياسية واقتصادية مهمة، صحيح أن غالبية الموضوعات كانت عن تطورات الأوضاع فى غزة، ودعم الدولة فى رفضها التهجير إلى سيناء تحت أى ظرف، لكن المهم أن الحياة قد عادت لأحزاب عديدة.. ونتمنى أن يمتد هذا النشاط ليشمل مناقشة قضايا داخلية مهمة. كوادر هذه الأحزاب قادرة على تقديم أفكار جيدة فى الاقتصاد والحريات والحياة السياسية والثقافة والإعلام.. وموضوعات أخرى.
ما يفرق معى فى هذه الانتخابات، من واقع معرفتى بالأوضاع فى الشارع، هو اختيار أشخاص يتمتعون بالكفاءة والقبول.. وتحمل ضغوط الجماهير.
والأمر الثانى متعلق بالنظام الانتخابى، أتمنى إقرار نظام مرن، يفتح المجال لوصول نسبة أكبر من ممثلى الأحزاب الصغيرة والمتوسطة، وبالتالى أرفض القائمة المطلقة تمامًا. غالبية الآراء فى الحوار الوطنى عارضتها، ولذلك فالأفضل هو إتاحة نظام يجمع بين القائمة النسبية والنظام الفردى.
0 تعليق