أحمد الصغير
الإثنين 24/فبراير/2025 - 11:06 م 2/24/2025 11:06:35 PM
(١)
فضيحة إعلامية ضد مصر على الهواء مباشرة. فى نشرة أخبار الواحدة ظهر الثلاثاء بتوقيت القاهرة، وبمصادفة عابرة شاهدت الكذب والإفك الإعلامى لقناة عربية شهيرة الموجه ضد دور مصر السياسى.
الخبر الأول فى النشرة كان عن مؤتمر صحفى للحكومة السودانية فى بورت سودان تعلن أن إعلان حكومة سودانية موازية من قبل الدعم السريع لا يمثل خطورة كبيرة. ثم يظهر بخط عريض نص الخبر لمدة ثوانى قبل أن يتم رفعه بسرعة ثم تتم إعادته بصياغة أخرى. فى الخبر الأول «الحكومة السوادنية توجه الشكر لمصر وإريتريا لعدم اعترافهما بالحكومة السودانية الموازية». تم استبداله بخبر «الحكومة السودانية تقول بأن المؤامرة ضد السودان تقودها اطراف خارجية». انتظرت تفصيل الخبر. تم حذف كل ما يتعلق بالموقف المصرى والشكر السودانى الموجه لمصر! فضيحة إعلامية متكاملة تكشف سوء نوايا وتوجهات هذه القناة ذات الشاشات الحمراء!
(٢)
هذه الفضيحة هى القشة التى دفعتنى لكتابة هذا المقال عن الدور الذى تلعبه هذه القناة منذ سنوات ضد مصر، وبوجه خاص منذ صباح السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م.
صباح ذلك اليوم كنت على موعد مع مصادفة غريبة حين شاهدت هذه القناة لأول مرة منذ فترة طويلة وفوجئت بطريقة تغطيتها لهجمات حماس. لم أغادر شاشتها طوال اليوم وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى. منذ التاسعة صباحًا وحتى الثانية بعد الظهر تحولت شاشة القناة إلى منصة إعلامية تحريضية بشكل صريح ضد الدولة المصرية ليس قطعًا على ألسنة العاملين بها لكن بألسنة أسماء تم عمل مداخلات معها وتقديمها على أنها قيادات حمساوية ودينية فلسطينية. بالإضافة لفتح الشريط أسفل الشاشة لتمرير نفس دعاوى التحريض من أفراد عاديبن. شملت العبارات دعوة تلك الأسماء للمصريين للتوجه لحدودهم ومحاولة القيام بأعمال عسكرية لإجبار الدولة المصرية على فتح حدودها مع القطاع عنوة. كان التحريض شديد الوقاحة والفظاظة لدرجة أننى كتبت أول مقال صفحى عما يحدث نشرته «الدستور» فى الثالثة عصرًا. كتبت المقال وأنا أستمع وأقرأ عبارات التحريض السافرة. ولا يمكن الدفع مطلقًا بأن ذلك من قبيل حرية الإعلام، لأن الحرية المفترضة كانت تستوجب عمل مداخلات مع قيادات مصرية رسمية تتولى الرد على هذا التطاول الوقح، لكن هذا لم يحدث، وما حدث كان حديثًا موجهًا وجهة واحدة ضد مصر.
(٣)
هدأت موجة التحريض قبل حلول المساء، ولا أدرى إن كان هذا التغير قد حدث بعد تدخل أطراف مصرية أم أنه قرار داخلى بعد افتضاح موقف القناة.
بعد هذا الهدوء بدأت موجة أخرى أبطالها من تم تقديمه كأستاذ تاريخ وآخرون تم تقديمهم كمحللين سياسيين. استهدفت هذه الموجة التى امتدت لصباح اليوم التالى نصر السادس من أكتوبر. وكان الأمر واضحًا جدًا، وهو تمرير فكرة أن خسائر الجانب الصهيونى فى اليوم الأول تؤكد أن هجمات السابع من أكتوبر تفوق فى تأثيرها على ذلك الجانب ما حققه نصر السادس من أكتوبر.
استندوا فى إفكهم على تقديرات لعدد الرهائن واعتبارهم أسرى حرب، وعلى تقديرات الجانب الصهيونى لعدد قتلاه على أيدى الذين قاموا بتلك الهجمات. وكان الكيان الصهيونى فى اليوم الأول فى ذروة ترويج مبالغ لأعداد الضحايا؛ تمهيدًا لما كان يتم التحضير له من عدوان غاشم على القطاع كما رأينا بعد ذلك.
لم يستح أستاذ التاريخ المزعوم ولا المحللون عن ترويج الإفك وخداع الشعوب العربية ورفع سقف أوهام تلك الشعوب عما ستسفر عنه الأيام التالية. كان الهدف الواضح للقائمين على تحديد سياسة القناة هو ضرب نصر السادس من أكتوبر حتى لو صبت أكاذيبهم بشكل مباشر فى صالح الرواية الصهيونية التى كانت الآلة الإعلامية الدولية تروجها لتحضير الراى العام الدولى لتقبل حرب الإبادة ضد سكان القطاع.
لم يتحدثوا فى اليوم الأول كما تحدثوا بعد مرور أسابيع على العدوان. لم يعرف أحد فى اليوم الأول أن من الرهائن أطفال ونساء ومنهم أجانب مدنيون! ولم يقتربوا فى إفكهم من حقائق نصر السادس من أكتوبر كنصر عسكرى تم تحقيقه بناء على وجود جيش مدرب قادر على حماية مواطنيه، وأن هذا الجيش لم يتخذ قراره إلا بعد بنائه لحائط الصواريخ لحماية مدنه وشعبه، وأنه وقف عند النقطة التى يستطيع بها ترجمة هذا النصر إلى مكاسب سياسية لا إلى إبادة ما يقرب من ٦% من شعبه!
والأهم أن نصر اكتوبر كان ضد عسكريين فى مواقع عسكرية ولم يقم المصريون باختطاف نساء وأطفال!
(٤)
فى اليومين التاليين، وقبل بدء العدوان الصهيونى تبنت القناة اتجاهًا تعبويًا شعبيًا استهدف تثوير شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب المصرى ضد حكوماتها الشرعية المتخاذلة عن القيام بما قامت به المقاومة! هونت القناة من لقاء العدو، بل ودفعت بكل قوتها الإعلامية فى اتجاه تمنى هذا اللقاء. استضافت قيادات حمساوية تصرح بأنها تتمنى أن يتخذ الجانب الصهيونى قرارًا بالاجتياح البرى لما أعدته المقاومة من مفاجآت ستذهل العالم كله. كان المشهد غريبًا جدًا. تصدير فكرة عبثية للشعوب مفادها أن الجانب الصهيونى لن يتجرأ على اجتياح القطاع، وأنهم واثقون من النصر ليس فقط فى القطاع، بل سيكون ذلك هو الطريق للقدس!
ثم حين بدأت المقتلة وانكشف السلوك المشين لمن يدعون أنهم مقاومة وطنية تجاه خسائر مواطنيهم، بدأت القناة تفرد مساحات كبيرة من بثها لمداخلات حاول أصحابها تعليق الجرس فى رقبة مصر بصفتها الدولة المجاورة للقطاع!
أفردت القناة شاشتها للمظاهرات الحنجورية فى عواصم دول كانت حكوماتها تقوم سرًا بما رفضته مصر علنًا من توفير لوجستيات للقوات المعتدية. عتمت القناة عمدًا فى الأسابيع الأولى على الدور المصرى الذى تابعته كل قنوات البث الدولية من إصرار على دخول المساعدات.
(٥)
فى مرحلة اتفاق الطرفين الضمنى- الصهيونى والحمساوى- على محاولة توريط مصر، قامت إسرائيل باجتياح ممر فلادلفيا بدون مقاومة. ثم ظهرت اللعبة الخبيثة بتبنى محللى القناة العسكريين لخطاب موجه ضد مصر ومعرضا بها بطريقة تلاسن رخيصة وصلت ذروتها على لسان ذلك اللواء الكذوب حين قال صراحة إن الموضوع الآن هو قضية مصرية وعلى مصر أن تدافع عن أمنها القومى!
كانت محاولة مكشوفة جدًا بعد تجاهل القناة لرد الجانب المصرى عمليًا فى اليوم التالى على معبر رفح.
ثم بعد استيلاء الكيان الصهيونى على الجانب الفلسطينى من المعبر، وهو كان فى ولاية حماس، قامت مصر برفض التعامل مع الجانب الصهيونى حماية للحق الفلسطينى وحتى لا يتم تثبيت الأمر الواقع. حين فعلت مصر ذلك تبنت تلك القناة رواية واحدة أن مصر ترفض إدخال المساعدات وأن مصر أغلقت المعبر! وفى ذروة هذا الطرح الخبيث سقط مصريون فى الفخ وتظاهروا ضد الدولة المصرية مطالبينها بفتح حدودها، وكانت تلك القناة هى من قامت بتغطية هذه التظاهرات بكثافة رغم محدودية الأعداد المشاركة بها.
(٦)
طوال الأسابيع الماضية تبنت القناة سياسة تحريرية تتبنى الفكر الحمساوى الهادف إلى إجهاض الجهود المصرية الرامية إلى إنقاذ القطاع من الضياع للأبد. بعد أن بات واضحًا بقوة أن تمسك حماس بأسلحتها وإصرارها على السيطرة على القطاع هو فى حقيقة الأمر إصرار على ضياع القطاع وإنهاء القضية الفلسطينية، بدأت القناة فى العمل كذراع إعلامية لهذا الخطاب الحمساوى الذى لا يختلف- فى غاية ما سيصل إليه- عن الخطاب الصهيو أمريكى. بدأت القناة فى الترويج لهذا الخطاب عقب تبنى فعالية شارك بها أشخاص أبعد ما يكونون عن القدرة على التصدى للمشهد ولا يوجد لهم شرعية فلسطينية أو دولية.
هذا الترويج الممنهج يعنى محاولة ضرب السلطة الفلسطينية الشرعية وضرب جهود مصر وإجهاض رؤيتها التى تراهن عليها الدول والشعوب العربية. هذه القناة الآن تقوم بأخطر أدوارها فى محاولة إفشال الجهود العربية لتبنى الرؤية المصرية فى إعادة الإعمار مع بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه.
وحتى أكون أكثر وضوحًا أسأل.. ماذا لو تخلت هذه القناة فى هذه المرحلة تحديدًا- لو كانت حقًا مخلصة للشعوب العربية والقضية الفلسطينية- عن القيام بدور الذراع الإعلامية لحماس فى محاولتها إفشال الرؤية المصرية؟
لو فعلت هذه القناة ذلك الآن، فماذا ستكون قدرة حماس على ترويج خطابها الانتحارى؟! نعم هو خطاب انتحارى ليس لها فقط، بل لكل أهل القطاع. فماذا لو انسحبت تلك القناة من خندق حماس وانضمت للمعسكر العربى الشرعى الذى تدعمه الحكومات العربية المؤثرة والشعوب العربية، والذى يمكنه أيضًا الحصول على دعم دولى من دول وقوى إقليمية لا تتفق مع جريمة تهجير أهل القطاع؟
لنفترض أن القناة كانت تساند حركة مقاومة قامت بأعمال ثبت يقينا فشلها وخطأها، وبات أمام الدول العربية خياران، الأول خيار حماس الانتحارى والثانى الخيار المصرى العربى.. فأيهما هو الأشرف؟!
هذا السؤال الجدلى يفترض حسن نوايا القائمين على القناة، وأن موجهى القناة يعملون لصالح الصف العربى. لكننى وبكل أسف وبعد متابعة حثيثة لمحتوى هذه القناة أشك إلى درجة اليقين فى افتراضى هذا! هذه القناة وبعد واقعة اليوم تتبنى خطًا إعلاميًا يعمد إلى الإساءة إلى الدور السياسى المصرى. ومن فرط حرصها على هذا الخط تسقط أحيانًا فى فضائح إعلامية مثل فضيحة اليوم، ومثل ما تم الاستماع إليه منذ يومين من حوارٍ ساقط بين العاملين بها على خلفية مشاهد تسليم الرهائن! فمتى تستفيق الشعوب العربية وتقوم بما يتوجب عليها القيام به من مقاطعة هذه القناة التى لم تعمل منذ أكثر من خمسة عشر عامًا إلا على إسقاط أوطان تلك الشعوب؟!
0 تعليق