يا لفجيعة الموت حين يخطف قريبًا أو صديقًا عزيزًا، يترك فى القلب غصة لا تندمل، وفى الروح فراغًا لا يملأه شىء.. وفاة الصديق والأخ الكاتب الصحفى محمد مهاود حركت فى نفسى مشاعر كثيرة حول فلسفة الموت لأنها ليست مجرد فقدان شخص، بل هى فقدان جزء من الذات، فقدان الرفيق الذى شاركنا لحظات الفرح والحزن، والضحك والدموع والخلاف. فى أثناء تشييع الأخ والصديق محمد مهاود إلى مرقده الأخير فى مقابر العائلة بمدينة سمنود، تدفقت الذكريات كالسيل على رأسى.. صور وكلمات وضحكات وأحزان ومناقشات وخلافات. وباتت كل تفصيلة صغيرة كنزًا ثمينًا، وكل لحظة مشتركة تصبح ذكرى خالدة.
الموت يسرق منّا أعز الناس من الأهل والأصدقاء، ولكنه لا يستطيع أن يسرق ذكراهم. والصداقة الحقيقية لا تنتهى بالموت، بل تتجاوزه إلى عالم آخر، عالم الذكريات والمشاعر الخالدة. الصديق الراحل محمد مهاود سيظل حاضرًا فى قلوبنا.. يا صديقى الراحل مهاود، نم قرير العين، فقد تركتَ فى قلوبنا غصة، وذكرى لا تُنسى. ستظل ذكراك خالدة فى قلبى، وستظل روحك تحوم حولى. سأظل أتذكرك فى كل لحظة، وسأظل أدعو لك بالرحمة والمغفرة، حتى تأتى ساعة رحيلى. وخالص العزاء إلى الأبناء الأعزاء الدكتور أمجد والمهندسين أيمن وعاصم ومريم والسيدة الفاضلة اعتزاز خضرى.
الموت ذلك الحدث الأكثر يقينًا فى حياة الإنسان، يظل لغزًا محيرًا يثير التساؤلات الفلسفية منذ فجر التاريخ. لقد شغل الموت أذهان الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، وتعددت الرؤى والتفسيرات حول ماهيته ومعناه. فمنهم من نظر إليه باعتباره نهاية مطلقة للوجود، ومنهم من اعتبره مجرد انتقال إلى عالم آخر، ومنهم من رأى فيه جزءًا لا يتجزأ من دورة الحياة والموت.
فى الفلسفة اليونانية القديمة، تناول أفلاطون مسألة الموت فى محاورة «فيدون»، حيث قدم حجة على خلود الروح، مؤكدًا أن الموت ليس سوى انفصال الروح عن الجسد، وأن الروح تستمر فى الوجود بعد فناء الجسد. أما أبيقور، فقد رأى أن الموت هو نهاية الوعى والإدراك، وبالتالى لا ينبغى الخوف منه، لأنه ببساطة لا وجود لنا بعد الموت.
وفى الفلسفة الوجودية، اعتبر هايدجر أن الموت هو الحد النهائى للوجود، وهو الذى يمنح الحياة معناها وقيمتها، فإدراكنا لحتمية الموت يجعلنا نعيش حياتنا بوعى ومسئولية أكبر. أما سارتر فقد رأى أن الموت هو الحد الذى ينهى حريتنا واختياراتنا، ولكنه فى الوقت نفسه يمنحنا مسئولية كاملة عن حياتنا.
وفى الفلسفة الإسلامية يعتبر الموت مرحلة انتقالية بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وهو جزء من قدر الله وحكمته. ويرى المتصوفة أن الموت هو عودة الروح إلى مصدرها الإلهى، وهو فرصة للقاء الخالق.
وفى الفلسفة الشرقية يعتبر الموت جزءًا من دورة التناسخ، حيث تنتقل الروح من جسد إلى آخر، وتستمر فى رحلتها عبر الحياة والموت حتى تصل إلى الخلاص.
وآمن المصريون القدماء بالحياة بعد الموت، وكان الموت بالنسبة لهم مجرد انتقال من عالم إلى آخر. واهتموا بتحضير أنفسهم لهذه الرحلة منذ لحظة ولادتهم. وكانوا يعتقدون أن الروح تحتاج إلى الجسد لتستمر فى الحياة الآخرة، لذلك حرصوا على تحنيط الجثث والحفاظ عليها قدر الإمكان.
وكل ثقافة وكل فرد لديه تصوره الخاص عن الموت، الذى يتأثر بالدين والتقاليد والتجارب الشخصية. فمنهم من يرى فيه نهاية حزينة، ومنهم من يرى فيه بداية جديدة، ومنهم من يرى فيه مجرد انتقال إلى مرحلة أخرى.
ويظل الموت لغزًا محيرًا، ولا يمكن لأحد أن يجزم بما يحدث بعده. ولكن الأكيد أنه يظل جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، ويجب علينا أن نتعامل معه بوعى وتقبل شديد.
0 تعليق